ارتدادات زلزال تركيا… قفزات في أسعار مستلزمات الطوارئ وارتباك عقاري وسياحي

جدد الزلزال الذي ضرب بحر مرمرة، الأربعاء الماضي، بقوة 6.2 على مقياس ريختر، وشعر به سكان إسطنبول بالدرجة الأولى، المخاوف من زلزال إسطنبول المدمر “العظيم” الذي يحذر مختصون من حدوثه منذ سنوات. كما أعاد الأضرار والمآسي التي لحقت بولايات جنوبي تركيا العشر، عام 2023 بعد زلزال وُصف بـ”مأساة القرن”.

وجاء الملمح الأهم، هروب سكان لولايات أخرى من ولاية إسطنبول الكبرى، التي تستمر فيها الهزات الارتدادية، لتزيد، وفق إدارة الكوارث والطوارئ “آفاد” عن 300 هزة ليغادر أكثر من 225 ألف شخص إسطنبول، الولاية التي يقطنها 18.3% من سكان تركيا وتستحوذ على 30% من الناتج المحلي الإجمالي بقيمة تصل إلى 8 تريليونات ليرة. بل تزيد التوقعات بتوجه سكان إسطنبول لولايات أخرى، رغم التخييم الكبير في الحدائق والساحات الخضراء، خاصة بعد زيادة التوقعات باقتراب زلزال إسطنبول الكبير، وفق خبير الزلازل التركي، البروفيسور ناجي غورور، الذي يحذر من وقوع زلزال كبير في بحر مرمرة، مؤكداً أن “تراكم الضغط الزلزالي يزداد، والوقت بات ضيقاً”، في إشارة إلى خطر زلزال وشيك يهدد مدينة إسطنبول والمناطق المحيطة بها. وأشار غورور خلال تصريحات، أمس السبت، إلى أن الزلزال المتوقع ليس مجرد احتمال بل “حقيقة علمية”، مشدداً على أن النشاط الزلزالي في المنطقة وصل إلى مرحلة حرجة.

ولفت إلى أن الزلزال المحتمل لن يقتصر تأثيره على الخسائر البشرية فقط، بل سيؤدي أيضاً إلى أزمة اقتصادية كبرى، معتبرا أنه “مع توقف الإنتاج في إسطنبول، لن تتأثر المدينة وحدها، بل ستنهار تركيا اقتصادياً وتجلس على ركبتيها.. هذه حقيقة علمية لا جدال فيها”.

 

 

وارتفعت أسعار السلع والمنتجات التخزينية، على رأسها الأرز والسكر والمعلبات بنسب قليلة إثر الزلزال والهزات الارتدادية المستمرة، في حين شهدت أسعار مستلزمات الطوارئ، ارتفاعاً قياسياً، ما يؤثر بالمجمل على معيشة الأتراك، خاصة بعد رفع أسعار الطاقة الشهر الجاري وارتفاع مجمل الأسعار بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو في التاسع من الشهر الماضي، ما أثر، بحسب تقرير اتحاد العمال التركي، على القدرة الشرائية للمستهلكين، بعد أن تجاوزت عتبة الجوع الحد الأدنى للأجور، وسط ارتفاع مستمر في الأسعار وتضخم حاد في قطاع الغذاء، مما زاد من الأعباء المالية على الأسر. فقد زادت تكلفة المعيشة الشهرية للعامل الواحد إلى 30617 ليرة تركية، وهو ما يفوق بكثير الحد الأدنى للأجور الصافي البالغ 22104 ليرة، ما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة للعمال وأسرهم.

وتقول العاملة في قطاع التجارة، سيمرة بوستان لـ”العربي الجديد” إن الأسعار مرتفعة بشكل عام، بسبب تراجع سعر صرف الليرة والتضخم الذي لم يتم ضبطه وفق التصريحات والوعود الحكومية، ولكن، زادت الأسعار خلال الشهر الأخير من لحوم ومنتجات ألبنان وحتى خضر وفواكه ومواد استهلاكية، مضيفة أن أسعار بعض المنتجات التي تلزم التخييم والطوارئ، ارتفعت بشكل جنوني بعد زيادة الطلب المستمر، بسبب المخاوف من الزلزال.

ولاحقت وزارة التجارة من استغل مخاوف الزلزال ورفعوا أسعار مستلزمات الطوارئ مثل حقائب الإسعاف والخيام بشكل مبالغ فيه. وبدأت الوزارة حملات تفتيش لرصد هذه الزيادات، حيث تم الكشف عن رفع الأسعار في 1079 منتجاً لدى 236 شركة، فيما لا تزال عمليات التحليل والفحص مستمرة.

وأكدت الوزارة في بيان، أنها بدأت عمليات تفتيش موسعة خاصة عبر مديرية إسطنبول، بالإضافة إلى أنقرة وإزمير، مستهدفة الشركات التي تبيع المنتجات بشكل مباشر أو عبر منصات التجارة الإلكترونية الكبرى، وتم طلب معلومات ووثائق من البائعين المعنيين. متوعدة بفرض غرامات تصل تتجاوز 1.4 مليون ليرة لكل منتج ثبت فيه حدوث مخالفات. وشددت على أن “حملات التفتيش ستتواصل دون انقطاع ضد الأشخاص والمؤسسات التي تحاول استغلال الحساسيات المجتمعية خلال الكوارث” من أجل حماية السوق وضمان العدالة للمستهلكين.

جاءت العملة التركية كأول مستشعر لمخاطر الزلزال، بعد أن شهدت الأسواق ولم تزل، إقبالاً على العملات الرئيسية والذهب الذي سجل، أمس الأحد، سعراً قياسياً بتجاوزه 4112 ليرة للغرام من عيار 24 قيراطاً.

ولم تستفد العملة التركية من رفع سعر الفائدة أو حتى تراجع سعر الدولار عالمياً، بل تستمر بتراجعها ليقترب الدولار من 38.5 ليرة، متراجعة عن أسعار ما قبل الزلزال التي كانت تحوم عند 38 ليرة للدولار الواحد.

كما لم تقلص تركيا نسبة التضخم، كما الوعود وما تضمن البرنامج الاقتصادي الحكومي، إذ أشار البنك المركزي التركي أخيراً، إلى أن توقعات التضخم سجلت 59.3% خلال 12 شهراً للأسر، ما يعكس تداعيات اضطرابات السوق الشهر الماضي.

وأظهرت بيانات مسح البنك أن توقعات التضخم للقطاع الحقيقي للفترة نفسها ارتفعت بمقدار 0.6% لتصل إلى 41.7% في إبريل/ نيسان. وارتفعت توقعات المشاركين في السوق بمقدار نقطة مئوية واحدة لتصل إلى 25.6%، ما ترك فجوة واسعة مع توقعات الأسر.

وعكس البنك المركزي دورة تخفيف السياسة النقدية الأسبوع الماضي، مشيراً جزئياً إلى ارتفاع طفيف في توقعات التضخم بعد موجة بيع لليرة وأصول تركية أخرى الشهر الماضي بسبب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول. وكان “المركزي”، قد رفع خلال جلسة السياسات النقدية السابقة، سعر الفائدة الرئيسي إلى 46% من 42.5%، مبرراً عودته لسياسة التشدد النقدي، بأن توقعات التضخم وسلوك التسعير يشكلان مخاطر على عملية انكماش التضخم. مكرراً توقعاته بوصول التضخم إلى 24% بنهاية العام الجاري وأن التضخم السنوي خلال شهر مارس/آذار الماضي، سجل 38.1%.

ارتباك سوق العقارات

وطاولت الارتدادات أسواق العقارات، إذ يجزم خبراء عقاريون أن أسعار العقارات في ولاية إسطنبول، وربما ولايتي بورصة ويلوا، ستستمر بالتراجع بعد التحذير من زلزال إسطنبول الكبير، محذرين من جمود في قطاع يرونه قاطرة ومحركا للمهن ورافدا للسوق.

ويقول أحمد ناعس منسق مبيعات في شركة ” يلدريم يبيّ غروب” في تصريح لـ”العربي الجديد” إن سوق العقارات تأثر بعد الزلزال، لكن تلك الآثار أو المخاوف من الشراء، ستزول مع الأيام، مذكراً أنه وبعد كل زلزال يتأثر السوق ثم يعود لما كان عليه “الفورة الكبرى بإسطنبول كانت بعد زلزال عام 2020”.

ويلفت ناعس إلى أنه في مقابل جمود العقارات وزيادة العرض في مناطق مهددة أكثر من غيرها، منها بيوك كشمجة وبيلك دوزر، زاد الإقبال والأسعار في باشاك شهير بالشطر الأوروبي وتوزلا بالآسيوي، لأنهما حديثتا البناء والأقل عرضة للتأثر، كاشفاً أن سوق العقارات بولاية إسطنبول، يشهد تيهاً وتخبطاً بعد الزلزال.

وكان رئيس جمعية حماية المستهلكين في تركيا، ليفنت كوتشوك، قد دعا إلى فرض رقابة صارمة على من وصفهم بــ”الانتهازيين”، الذين استغلوا الزلزال لرفع أسعار المساكن وتذاكر الحافلات بشكل مبالغ فيه. وأوضح كوتشوك في تصريح نقلته وكالة” الأناضول” أن المواطنين شعروا بذعر كبير بعد الزلزال، ما دفع البعض إلى البحث عن منازل جديدة أكثر أماناً من الناحية الزلزالية، بينما سعى آخرون لمغادرة المدينة مؤقتاً لزيارة أقاربهم في مناطق أكثر أماناً. هذا التوجه المفاجئ زاد الطلب على المساكن وتذاكر السفر، ما فتح المجال أمام بعض الجهات للاستغلال غير المشروع.

ويشير رئيس جمعية حماية المستهلكين إلى تلقي الجمعية شكاوى بخصوص ارتفاع أسعار المساكن، خصوصاً في الأبنية الجديدة والمناطق ذات التربة الصلبة، حيث تجاوزت بعض الزيادات نسبة 100%، كما وصلت أسعار تذاكر الحافلات إلى ثلاثة أضعاف قيمتها السابقة. واعتبر أن هذه التصرفات تمثل “فرصة لكسب غير مشروع” ولا يمكن قبولها. وطالب وزارة التجارة بتشديد الرقابة، كما دعا الغرف المهنية مثل غرفة وكلاء العقارات وغرفة التجارة إلى اتخاذ إجراءات ضد السلوكيات المنافية للأخلاقيات المهنية. ومعاقبة الجهات التي تسهّل هذه الممارسات.

وكانت إسطنبول وفق تقرير معهد الإحصاء التركي لمبيعات العقارات لشهر مارس/آذار الماضي، قد تصدرت قائمة المبيع بـ 19820 وحدة تلتها أنقرة بـ 10203 وحدة ثم وإزمير بـ 7513 وحدة، مشيراً إلى ارتفاع مبيعات العقارات في تركيا بنسبة 5.1% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

أضرار للسياحة وسط قلق الزائرين

وانعكست ارتدادات الزالزال والخوف من هزات أعنف خلال الفترة المقبلة على قطاع السياحة الذي بدا مرتبكأ أيضاً. ورغم أن الخبير السياحي، فهري إيت، قال إنه من المبكر الحكم على أثر الزلزال على السياحة، لأن تركيا خارج الموسم الآن، إلا أنه توقع إلغاء رحلات لسياح خلال الزلزال إلى إسطنبول على الأقل، بينما الإقبال حسب هذه الشهور، جيد على أنطاليا وولايات البحر الأسود.

ويضيف إيت لـ”العربي الجديد” أن الموسم يبدأ من الشهر المقبل وما بعده، وأثر التراجع على إسطنبول أو الولايات القريبة من “مرمرة” يتوقف على وقف الهزات الارتدادية والطمأنة، مؤكداً أن “سحر إسطنبول سيجذب أي سائح لتركيا”.

وتعوّل تركيا على قطاع السياحة هذا العام لتحقيق عائدات بقيمة 65 مليار دولار، بعد تسجيل أرقاماً قياسية العام الماضي وإيرادات بلغت 61.1 مليار دولار، بزيادة 8.3% مقارنة بعام 2023. من جراء استقبال البلاد 62.3 مليون سائح في عام 2024، متجاوزة الهدف الذي حددته الحكومة.

وبحسب رئيس مجلس إدارة اتحاد وكالات السفر التركية، فيروز باغلي قايا، فإن هدف القطاع السياحي في تركيا لعام 2025 تحقيق عائدات بقيمة 65 مليار دولار. بعد أن باتت بلاده تحتل مكانة متقدمة بين الوجهات السياحية العالمية.

ويضيف قايا خلال تصريحات أن القطاع يبدأ باستقبال الوفود القادمة من الخارج فعلياً اعتباراً من إبريل/ نيسان الجاري، مؤكداً العمل على تعزيز صورة تركيا وجهةً سياحيةً آمنةً وتعزيز القدوم من الأسواق الرئيسية للسياحة التركية، مثل ألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة. لأنّ السياحة قطاع لا غنى عنه من حيث تدفق النقد الأجنبي والتوظيف والترويج. وسنواصل تحطيم الأرقام القياسية في عام 2025 أيضاً، لأنّنا “نملك تنوعاً قادراً على المنافسة في مختلف الميادين والحقول السياحية”.

مخاوف مشروعة ومطالب بالاستعداد لما هو مقبل

ورغم الطمأنة بعدم تأثر سكان إسطنبول بالزلزال الأسبوع الماضي، إلّا أن عدد الوحدات المتصدعة بازدياد ووصلت إلى 437 مبنى بعد دراسات تقييم الأضرار التي أجرتها وزارة البيئة والنحضر في 39 منطقة بعد زلازل إسطنبول، شملت بحسب الوزير مراد كوروم نحو 8367 مبنى.

وأشار كوروم إلى أنّ أعمال التقييم لا تقتصر على المباني السكنية فقط، بل تشمل أيضاً المنشآت العامة التابعة للدولة، موضحًا: لقد بدأنا بالفعل بفحص 28 ألفاً و500 مبنى حكومي للتأكد من سلامتها الإنشائية وضمان جهوزيتها في حالات الطوارئ.

والمخاوف من الزلزال الكبير الذي يحذر منه خبراء، سواء على الأسواق والأسعار أو على العقارات والسياحة، لم تزل موضع تكهن وترقب، كما تطاول المخاوف الآثار على المنشآت الإنتاجية والخدمية في إسطنبول وغيرها، بما في ذلك، محطة “أكويو” النووية والتي أكدت الشركة الروسية المشغلة “روساتوم” أن الزلزال لم يؤثر على موقع بناء المحطة.

وأوضحت “روساتوم” أنه لم تسجل المحطات القياسية التي تقوم برصد النشاط الزلزالي بشكل منتظم في الموقع أي تجاوز للحدود المقررة للاستجابة. هذه البيانات مؤكدة من إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) وكذلك من مرصد كانديلي ومعهد أبحاث الزلازل (KOERI)، واللذين أفادا بأن التأثير الزلزالي لم يصل إلى المستوى الذي يؤثر على محافظة مرسين حيث موقع بناء المحطة النووية.

ليبقى الحل، وبعيداً عن التخويف والتنبؤات، في التحوّل الحضري في مختلف أنحاء البلاد، كما أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مشددًا على أن هذه المشاريع تمثل أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل، خصوصًا في ظل التهديدات الزلزالية المتزايدة.

وأشار أردوغان خلال فعالية رسمية تناولت قضايا التخطيط العمراني والاستعداد للكوارث أخيراً، إلى أن بعض الأطراف تواصل اعتراضها على كل خطوة يتم اتخاذها، ولكن علينا أن نواصل تنفيذ مشاريع التحول الحضري بسرعة وعزم، بغض النظر عمّا يقوله أولئك الذين يعارضون كل شيء لمجرد المعارضة، رغم ان وقت الزلزال ليس وقتًا للسياسة، بل وقت للتجمع معًا، والتضامن، وتذكّر وحدتنا وأخوّتنا.

Exit mobile version