قالت مصادر دبلوماسية تركية لـ”عربي بوست”، الثلاثاء، 14 يناير/كانون الثاني 2025، إن تركيا ماضية بدور الوساطة لوقف الحرب في السودان، عبر العلاقات التي تجمعها بمختلف الأطراف الفاعلة، وبمبادرة شرع بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ولفتت إلى أن الزيارة التي أجراها نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران، إلى السودان، في 4 يناير/كانون الثاني 2025، “جرت في أجواء إيجابية للغاية، ضمن إيلاء تركيا أهمية كبيرة لوحدة السودان، وسلامة أراضيه وسيادته واستقراره”، وضمن مسار الوساطة التركية في السودان لوقف الحرب.
وأكدت أن “أنقرة عازمة القيام بدور وساطة في السودان، لحل المأساة الإنسانية المستمرة منذ 20 شهراً والصراعات التي تسببت في دمار كبير بالسودان؛ عبر العلاقات الجيدة التي تجمعها مع مختلف الأطراف الفاعلة؛ خاصة السودان والإمارات”، وأن الوساطة ماضية حتى بعد استعادة الجيش لمدينة ود مدني في ولاية الجزيرة، ذلك أن أنقرة ترى أنه “لا حل عسكرياً في السودان”.
الدور التركي بدأ بالظهور بصورة كبيرة عقب اتصال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024؛ عارضاً إمكانية الوساطة لحل الخلافات مع الإمارات؛ التي تتهمها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والحكومة السودانية؛ بتقديم دعم عسكري ومادي غير محدود لقوات الدعم السريع.
في تصريح متلفز، قال وزير الخارجية السوداني علي يوسف، إن السودان ينتظر مبعوثاً من تركيا، لبحث تفاصيل المقترح التركي للوساطة مع الإمارات ووقف الحرب في البلاد.
بعد نحو أسبوع من تصريح الوزير السوداني؛ وصل نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران العاصمة السودانية المؤقتة بورتسودان في زيارة رسمية التقى خلالها رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان يوم 4 يناير/كانون الثاني 2025.
خلال الوساطة التركية في الأزمة التي نشأت بين الصومال وإثيوبيا بسبب الحدود؛ لعب دوران دوراً بارزاً في حل الأزمة، وتفعيل وساطة أنقرة بين كل الوساطات التي رغبت في حل هذا الصراع؛ ما تكلل بتوقيع اتفاق “عملية أنقرة” بين أديس أبابا ومقديشو منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024.
السودان يرحب بالوساطة التركية
في بيانه حول زيارة نائب وزير الخارجية التركي إلى السودان، قال مجلس السيادة الانتقالي، إن الفريق أول عبد الفتاح البرهان التقى نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران بحضور السفير علي يوسف وزير الخارجية، وسفير تركيا لدى السودان فاتح يلديز.
وأوضح السفير علي يوسف في تصريح عقب اللقاء، أنهم تطرقوا للعلاقات الثنائية بين السودان وتركيا ومجالات التعاون المشترك؛ مبيناً أن اللقاء تناول أيضاً المبادرة التركية التي تقدم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس مجلس السيادة.
وقال يوسف إن رئيس مجلس السيادة رحب بهذه المبادرة، وطلب من الوزير التركي نقل هذا الترحيب للرئيس رجب طيب أردوغان، ولوزير الخارجية التركي الذي يتولى تفاصيل إدارة هذه المبادرة.
وأضاف السفير علي يوسف أن نائب وزير الخارجية التركي عقد خلال زيارته لقاءات عدة مع وزراء الخارجية والمالية والتخطيط الاقتصادي، مشدداً على أن الزيارة تعد زيارة هامة؛ وحملت أشواق تركيا حكومة وشعباً، تجاه السودان وشعبه.
ونقل وزير الخارجية السوداني، عن نائب الوزير التركي، قوله إن بلاده بصدد افتتاح بنك تركي في بورتسودان، للإسهام في تقوية وتعزيز العلاقات التجارية المشتركة، بجانب افتتاح مقر لمنظمة العون التركي “TIKA”، التي تعنى بتقديم المساعدات التنموية والإنسانية في شتى دول العالم.
الإمارات تقبل الوساطة التركية في السودان
من جانبها، أعلنت الإمارات دعمها للوساطة التركية، إذ رحبت أبو ظبي بـ”الجهود الدبلوماسية التي تبذلها تركيا لإيجاد حل للأزمة في السودان، واستعدادها للتعاون والتنسيق مع أنقرة بشأن هذه القضية”.
وكانت وزارة الخارجية الإماراتية، قالت في بيان رسمي لها، إن “هذه الجهود تعكس إصرار تركيا العميق على دعم السلام والاستقرار في المنطقة والمساهمة في تعزيز العلاقات بين الدول”.
بحسب مدير معهد الدراسات الإقليمية في جامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية، الدكتور أنور إربا، فإن بعض الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، كانت لديها خطط مختلفة للسودان، ولعبت دوراً مهماً في جعل هذه الحرب مدمرة ومستمرة حتى الآن.
وتابع إربا في تحليل خاص كتبه للنسخة التركية من وكالة الأناضول، بأن “المتعارف عليه، أن الولايات المتحدة وحلفائها خططوا لتصميم البنية الاجتماعية المحافظة في السودان، وأعطوا الأولوية لتشكيل حكومة لا تتعارض مع مصالحهم خلال الفترة الانتقالية، التي أعقبت سقوط الرئيس السابق عمر البشير”.
وقال: “مارست الولايات المتحدة باستمرار، ضغوطاً على الحكومة السودانية بتهديدات مثل فرض الحظر، وعدم رفعها من قائمة الدول الداعمة للإرهاب”.
وتعبّر الحكومة السودانية، التي طردت الدبلوماسيين الإماراتيين، بوضوح، عن هذا الموقف لأبو ظبي.
في تصريحات أدلت بها للصحافة وعلى المنابر الدولية كالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، طالبت بفرض عقوبات رسمية عليها.
بل إن الحكومة السودانية، التي تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 29 مارس/آذار 2024، اتهمت الإمارات بالتخطيط للحرب، ودعم المتمردين، بمساعدة دولة تشاد جارة السودان من ناحية الغرب.
تركيا لا ترى حلاً عسكرياً في السودان
بحسب إربا، فإن هناك فرصة جديدة برزت إلى الواجهة لوقف الحرب السودانية المستمرة منذ نحو العامين، من خلال عرض تركيا الوساطة.
وأضاف في تحليله، أن “تدخل تركيا، التي أثبتت كفاءتها وإمكاناتها بنجاحها كوسيط في الصراع الإثيوبي الصومالي، لإيجاد حل للمشكلة السودانية، أثارت أملاً بإمكانية وقف الحرب في السودان، بسبب أن أنقرة تتمتع بموثوقية عالية لدى طرفي الصراع”، على حد قوله.
وقال إنه “رغم تحقيق الجيش السوداني تفوقاً على قوات الدعم السريع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فمن غير المرجح أن ينتصر أحد الأطراف المتحاربة عسكرياً”.
تابع بأنه “على الرغم من كل الدعم الخارجي، فإن احتمال استيلاء قوات الدعم السريع المتمردة على السلطة، أو إنشاء إدارة منفصلة عن طريق تقسيم دارفور أصبح أضعف على نحو متزايد”.
وعبر عن رأيه بـ”تضاؤل أمل الداعمين الإقليميين والدوليين في محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، يوماً بعد يوم، وترجم ذلك بفرض واشنطن عقوبات عليه، إلى جانب 7 شركات تابعة له في 7 يناير/كانون الثاني 2025؛ بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب، وإبادة جماعية وتطهير عرقي بحق السودانيين”.
وفقاً لإربا، “من الواضح أن الوضع الحالي لن يكون مفيداً لأطراف الصراع، ولا للقوى الداعمة لهم، وإدراكاً لهذا الوضع، بدأت الإمارات تتقبل أن إيجاد الحل في السودان أصبح أمراً لا مفر منه، تحت تأثير ردود الفعل الدولية”.
موقف أنقرة العلني منذ بدء الأحداث التي يشهدها السودان عام 2019، أن ما يجري “شأن داخلي”، داعية الأطراف الدولية إلى ضمان السلام والاستقرار في البلاد دون أي تدخل، بحسب بيان رسمي للخارجية التركية حينها.
رغم إغلاق العديد من الدول سفاراتها في السودان بعد الحرب؛ واصلت تركيا تقديم خدمات سفارتها من مدينة بورتسودان، وتقديم المساعدات الإنسانية لشعب السودان.
وكانت دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية ومصر وفرنسا، قد أطلقت العديد من المبادرات لحل أزمة السودان، ولم يتم إحراز أي تقدم لضمان السلام.
من ناحية أخرى، أعطى البرهان الضوء الأخضر دائماً للوساطة التركية.
ملامح الوساطة التركية
في 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، انعقدت جلسة رفيعة المستوى حول التطورات في السودان بمجلس الأمن الدولي برئاسة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
في هذه الجلسة، ظهرت ملامح الوساطة التركية في كلمة مندوب أنقرة الدائم لدى الأمم المتحدة أحمد يلديز، الذي شدد على ضرورة إنهاء الصراع في السودان.
وقال يلديز: “إننا نتعامل مع السودان وشعبه منذ فترة طويلة، وتركيا تربطها علاقات عميقة الجذور، وتولي أهمية كبيرة لوحدة السودان وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله عن التدخلات الخارجية”.
وشدد يلديز على أنه “لا ينبغي السماح للسودان بالابتعاد عن اهتمام المجتمع الدولي وسط الأزمات والتحديات الدولية المتزايدة التي يحياها العالم”، مطالباً الجميع بإقناع الأطراف كافة بالعمل معاً، وبالحل التفاوضي.
كرر يلديز دعوته لكلا الجانبين في السودان إلى “إظهار أقصى قدر من ضبط النفس لمنع المزيد من الضرر للمدنيين وسفك الدماء”، داعياً المجتمع الدولي إلى “زيادة جهوده؛ ليس لمعالجة الأزمة الإنسانية في السودان فقط، ولكن لمعالجة التحديات السياسية التي تواجهها البلاد أيضاً”.
ويظهر باستمرار الاهتمام التركي بالتطورات في السودان، وكان آخر ذلك، بعد ساعات من استعادة الجيش السوداني سيطرته على مدينة “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة؛ إذ شارك السفير التركي لدى السودان فاتح يلديز احتفالات الشعب السوداني بتحرير المدينة بالعاصمة السودانية المؤقتة بورتسودان شرقي البلاد.
وشارك في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس”، مقطع فيديو لأحد السودانيين وهو يقترب من سيارته، ليقبل العلم التركي الذي علا سيارته؛ ليعلق يلديز قائلاً: “سعادة مستحقة بتحرير ود مدني، وهذا هو الحب الذي يجمعنا”.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.