أخــبـار مـحـلـيـة

اللجوء السوري على المحك.. أوروبا تعيد النظر وألمانيا وهولندا تتصدران المشهد

تشهد سياسات اللجوء الأوروبية تحولات جذرية تجاه السوريين، ويبدو أن بعض الدول الأوروبية قد بدأت فعلياً بإغلاق أبوابها، ما يُنذر بما يمكن وصفه بـ “أيام اللجوء الأخيرة” للسوريين، وهو ما تجلّى بوضوح في القرارات الأخيرة المتخذة في ألمانيا وهولندا. ويبدو أن هذه القرارت قد تسارعت على خلفية حادثة الطعن التي ارتكبها سوري في مدينة سولينغن الألمانية قبل أيام، والتي راح ضحيتها ثلاثة مواطنين ألمان.

ويسعى اليمين المتطرف إلى اقتناص الفرص لتشويش الرأي العام وبث خطابه شعبوي المعادي للأجانب كما هو الحال في هولندا وادعاءات خيرت فيلدرز الأخيرة بأن سوريا باتت “آمنة”.

هولندا بصدد تصنيف مناطق من سوريا “آمنة”

على غرار التجربة الدنماركية يدرس مكتب إدارة الهجرة في هولندا أخيراً حزمة قرارات جديدة تخص السوريين، بما في ذلك تحديد مناطق في سوريا ستعتبرها الحكومة الهولندية “آمنة”. هذا التصنيف قد يعني إعادة تقييم وضع اللاجئين السوريين في هولندا والنظر في إمكانية إعادتهم إلى تلك المناطق، ما يمكن أن يؤدي إلى تقليص عدد الذين يمكنهم الاستمرار في تلقي الحماية في هولندا.

المقترحات الجديدة تتضمن أيضاً تشديدات في إجراءات الفحص والتدقيق لطالبي اللجوء من سوريا، وإلغاء الإقامة الدائمة للاجئين المنحدرين من مناطق قد يتم تصنيفها آمنة خلال التقرير السنوي الذي يصدر في أيلول حول تقييم الوضع الأمني في سوريا، ويتوقع الكثيرون أن يكون مختلفاً هذا العام، استنادا إلى التصريحات التي أدلى بها سياسيون هولنديون خلال العام الحالي تدلّل على الرغبة الجازمة بتقييد اللجوء السوري في هولندا.

وفي سابقة قانونية حكم “مجلس الدولة” في هولندا هذا الشهر، وهو أعلى هيئة قضائية في البلاد، بأن يحق لـ”دائرة الهجرة والتجنيس” رفض منح اللاجئين السوريين تصريح إقامة إذا زاروا وطنهم الأم. هذا القرار صدر بناءً على قضيتين منفصلتين، الأولى للاجئة سورية زارت سوريا ست مرات بعد مغادرتها واستقرت في مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري، والثانية لامرأة أخرى زارت سوريا لظروف خاصة بعد حصولها على تصريح إقامة في هولندا. المحكمة قضت بأنه لا يحق لهؤلاء اللاجئين الحصول على الحماية في هولندا لأنهم لم يواجهوا خطرًا فعليًا عند عودتهم إلى سوريا.

وبناء على ذلك ينظم سوريون غداً الأول من شهر أيلول مظاهرة في مدينة أوترخت وسط هولندا للتأكيد على أن سوريا ليست آمنة. يعبّر هذا الاعتصام عن القلق العميق الذي يشعر به السوريون في هولندا حيال السياسات الجديدة، ويمثّل محاولة للفت الانتباه العام والحكومي إلى الأوضاع الحقيقية في سوريا، التي لا تزال تعاني من عدم الاستقرار والأزمات المتعددة التي تجعل العودة خطراً حقيقياً على حياة العائدين.

تتخذ الحكومة الهولندية هذه الخطوات في سياق أوسع من إعادة تقييم السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين، بينما تحاول التعامل مع التحديات الأمنية والضغوط السياسية المحلية التي تفرض قيودًا أكبر على الهجرة. يأتي هذا التوجه في وقت حرج، حيث يستعد العالم لمواجهة تحديات الهجرة واللجوء بأشكال جديدة، وتعيد الدول الأوروبية تقييم موقفها من اللاجئين في ظل التغيرات الجيوسياسية والأزمات المستمرة التي تشهدها مناطق مثل سوريا. وبينما تسعى هولندا لفرض مزيد من القيود، تدرس ألمانيا أيضاً ذلك حيث رفضت السلطات الألمانية ملفات طالبي لجوء سوريين هذا العام.

إجراءات أكثر صرامة في ألمانيا

ويشهد النقاش حول سياسات اللجوء في ألمانيا تطورات مستمرة. مؤخراً، صدرت تصريحات من قبل مسؤولين في الحكومة الألمانية تشير إلى تشديد القوانين المتعلقة باللجوء. وقد أكد المسؤولون على ضرورة إعادة تقييم مستمر للوضع في سوريا، ومراقبة تطورات الأمان هناك، لتحديد إمكانية إعادة اللاجئين إلى مناطق يُعتقد أنها استقرت. ومع ذلك، يثير هذا النهج قلقاً بين منظمات حقوق الإنسان التي تشير إلى أن بعض المناطق المصنفة كـ”آمنة” قد لا تزال تشكل خطراً على حياة العائدين.

وأقرت الحكومة الألمانية إلغاء المساعدات الاجتماعية لبعض طالبي اللجوء الذين تتحمل دول أوروبية أخرى مسؤوليتهم بموجب اتفاقية دبلن. وتهدف الحكومة أيضًا إلى تسريع ترحيل طالبي اللجوء الذين تُرفض طلباتهم، مع التركيز على ترحيل المجرمين الخطرين إلى دول مثل أفغانستان وسوريا. كما سيتم سحب حق الحماية من الأشخاص الذين يسافرون إلى بلدانهم الأصلية دون أسباب قاهرة. وتؤكد الحكومة أن هذه الإجراءات ضرورية لتعزيز الأمن في ألمانيا.

كل هذه التطورات في سياسات اللجوء والهجرة تتزامن مع صعود اليمين في السياسة الأوروبية، حيث تكتسب الأحزاب المحافظة والشعبوية المزيد من القوة والتأثير. هذا الصعود له تأثير كبير على شكل السياسات المتخذة، خاصة تلك التي تتعلق بالهجرة والأمن القومي. الحكومات في دول مثل ألمانيا وهولندا تجد نفسها تحت ضغط متزايد لتشديد القوانين وتحسين إجراءات الرقابة، في محاولة لاسترضاء قواعدها الانتخابية التي تنظر بقلق إلى قضايا الهجرة.

من الواضح أن هذا الواقع الجديد يضع اللاجئين السوريين في موقف بالغ التعقيد، حيث يواجهون تحديات أمنية وسياسية تؤثر على قدرتهم على الحصول على الحماية والاستقرار في أوروبا.

التصريحات السياسية غير كافية

في حلقة جديدة من برنامج “Nieuwsuur” الهولندي، تم استضافة مارك كلاسن، أستاذ القانون المتخصص في قانون الهجرة، لمناقشة الوضع الأمني في سوريا. وأوضح أن العديد من السوريين الذين فرّوا من البلاد يواجهون تحديات جمة في حال العودة، بما في ذلك الخوف من الاضطهاد أو الانتقام.

كما شدد البروفسور على أهمية تحليل السياق السياسي والأمني بدقة قبل الإقدام على أية تصريحات تؤثر على سياسة اللجوء. كما ناشد الحكومات الأوروبية بالتمسك بمعايير الحماية الدولية وعدم اتخاذ قرارات تعسفية قد تعرض حياة الأفراد للخطر. وأشار إلى أن تقييمات الأمان يجب أن تستند إلى بيانات موثوقة وشاملة، وليس فقط على تصريحات سياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى