كشف اجتماع مكونات المعارضة السورية المختلفة، في مطار ولاية غازي عنتاب التركية، حجم الخلافات والانقسامات بين أجسام المعارضة بشقيها السياسي والعسكري، مثيراً مخاوف من اندلاع اقتتال بينها، بعد “أزمة معبر أبو الزندين”.
بحسب حضور من الاجتماع تحدثوا لـ”عربي بوست”، فإنه شهد تراشقاً بالاتهامات بالعمالة والخيانة والإرهاب، ومطالبات بحجب الثقة عن بعضها البعض، متحدثين عن أن الشمال السوري بات على صفيح ساخن عقب الخلافات التي تعاظمت عقب الاجتماع.
وفق ما أعلنته المعارضة السورية قبل الاجتماع الذي جرى برعاية أنقرة، فإن الهدف منه هو السعي إلى توحيد مكونات الثورة السورية السياسية والعسكرية، وترتيب البيت الداخلي، والتوصل إلى حل لأزمة إعادة فتح معبر أبو الزندين بين مناطق المعارضة والنظام السوري، الأمر الذي أثار خلافات بين مكونات المعارضة.
ويأتي ذلك في وقت تتجه فيه تركيا التي تعد الحليف الأخير لقوى المعارضة والثورة السورية، نحو التطبيع مع النظام السوري بخطوات متسارعة، مع اقتراب اجتماع رباعي مرتقب بين (موسكو وطهران وأنقرة ودمشق) أواخر سبتمبر/أيلول 2024، يُتوقع أن يشهد إعلان التطبيع بين تركيا والنظام السوري.
حضر الاجتماع في غازي عنتاب ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات التركية، وضم أبرز أجسام المعارضة السورية، وهي “الائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة، وهيئة التفاوض، ومجلس القبائل والعشائر السورية، وقادة من الجيش الوطني السوري”.
بحسب مشاركين في الاجتماع طلبوا عدم الكشف عن اسمهم، في حديثهم لـ”عربي بوست”، فإنه تناول المخاوف من الوصول إلى اتفاق بين أنقرة ودمشق، يقضي بانسحاب تركي من المناطق السورية وتسليمها للنظام السوري.
بدت مواقف فصائل المعارضة العسكرية ضمن مكونات الجيش الوطني السوري “متباينة” بهذا الخصوص، فمنها من نأت بنفسها بالتعليق على المسار التركي، وأخرى بدأت تعارضه، وأخرى أيدت إجراءات طالبت بها تركيا في مناطق المعارضة متعلقة بمعبر يربط مناطقها بمناطق النظام السوري.
إعادة فتح معبر أبو الزندين يفجر الأزمة
الكاتب والمحلل السياسي السوري المعارض أحمد كنعان، من ريف حلب، قال لـ”عربي بوست”: “كان المطلب التركي في 20 أغسطس/آب 2024 بإعادة تفعيل معبر أبو الزندين، الذي يفصل بين مناطق يسيطر عليها النظام السوري والمعارضة السورية في منطقة الباب، شمال حلب، بمثابة الشعرة الأخيرة التي فجرت الأمور”.
ويقع معبر أبو الزندين بالقرب من مدينة الباب، الخاضعة لسيطرة الفصائل السورية المعارضة، ويصلها بمناطق قوات النظام السوري في ريف المحافظة ذاتها.
وقال: “عندما بدأت بعض الفصائل العسكرية ومنها الجبهة الشامية، التي تمثل الأكثرية ضمن مكونات الجيش الوطني السوري، تشعر بخطورة هذا الإجراء، وانعكاسه على مبادئ وأهداف الثورة السورية، بدأت التصعيد، ودعم اعتصامات مفتوحة عند المعبر، ومنع عبور السيارات التجارية من وإلى مناطق النظام السوري، متوعدة الضرب بيد من حديد، ضد إعادة تفعيل المعبر”.
وأوضح أن سبب ذلك يعود إلى أنها ترى أن إعادة تفعيل “معبر أبو الزندين” “أمراً يسهل على النظام قضم المنطقة، وضمها لمناطق سيطرته”.
في المقابل، رأت الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من أنقرة، إضافة إلى فصائل موالية لها، أن إعادة تفعيل “معبر أبو الزندين” إجراء اقتصادي بحت، لا علاقة له بالشأن السياسي.
على إثر هذه الخلافات، قال كنعان إن تركيا دعت الأطراف إلى الاجتماع الطارئ داخل الأراضي التركية يوم الثلاثاء 3 سبتمبر/أيلول 2024.
لكنه اعتبر أن الاجتماع “كان دون جدوى، بعد التراشق بالاتهامات بين كل طرف ضد الآخر، ورمي الاتهامات بالخيانة، وبيع دماء السوريين”.
وقال: “رواية الحكومة السورية المؤقتة ودفاعها عن إعادة تفعيل معبر أبو الزندين يندرج تحت بند تأمين موارد مالية منتظمة من خلال المعابر، وفي مقدمتها معبر أبو الزندين، لتصريف فائض الإنتاج والمحاصيل الزراعية في مناطق المعارضة باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري”.
وأضاف: “كما أنها تحتاجه سياسياً للحفاظ على علاقة جيدة مع تركيا، كي لا يتم استبعادها من حسابات ملف التقارب بين تركيا والنظام السوري”.
بهذا الخصوص، حاول “عربي بوست” أخذ تعليق من الحكومة المؤقتة على الاجتماع وموقفها من إعادة تفعيل معبر أبو الزندين، إلا أن المسؤولين فيها رفضوا ذلك، مفضلين عدم الإدلاء بتصريحات بهذا الشأن.
فصائل تعارض إعادة تفعيل معبر أبو الزندين
متحدث من فصيل عسكري معارض حضر الاجتماع، قال إن “فتح الأبواب والمعابر على المناطق المحررة أمام النظام السوري الذي نكل وقتل وهجر الملايين من السوريين، نعتبره خيانة عظمى بحق دماء الشهداء السوريين وأيضاً المعتقلين الذين يقبعون في سجون النظام منذ أكثر من 13 عاماً دون معرفة مصيرهم”.
كذلك أشار إلى أن “إعادة تفعيل المعابر، تعد فرصة لفك الحصار الدولي المفروض على النظام السوري وإنعاشه من جديد، لتسنح له الفرصة مجدداً بالإجهاز على ما تبقى من مكتسبات الثورة السورية، والسيطرة على مساحات جديدة، وتحقيق سيطرة عسكرية أكبر”.
وقال: “مسألة فتح المعابر بين سوريا وتركيا (ضمن مناطق المعارضة)، لا يمكن لها أن تتم إلا بحل سياسي شامل للمسألة السورية، انطلاقاً من إسقاط النظام السوري أو تنحيه عن السلطة”.
وتابع بأنه “بناء على هذه المواقف، دعمنا خيمة الاعتصام التي أنشأها المعتصمون السوريون عند معبر أبو الزندين، وحذّرنا الآخرين من المساس بأمن المعتصمين أو الاقتراب منهم، لإن خيمة الاعتصام تدل على تعبير شعبي واضح برفض أي تعاون مع النظام السوري، أو السماح بالمساس بأهداف الثورة السورية ومكتسباتها”.
وكان معبر أبو زندين أعيد افتتاحه في أغسطس/آب 2024، بشكل مفاجئ، لكن وحدات “الشرطة العسكرية” التابعة لفصائل المعارضة أعادت إغلاقه، بعدما شيّد مدنيون غاضبون “خيمة اعتصام” بالقرب منه، تحت اسم “اعتصام الكرامة”.
من جانبها لم تبد “الحكومة المؤقتة” أي رفض لفتح المعبر لـ”أسباب اقتصادية” وفق بيان لها، في حين حذرت فصائل معارضة لهذه الخطوة من أن إعادة تفعيل المعبر قد تمثل “خطوة أولى لتعبيد الطريق للتطبيع مع النظام السوري”.
متحدث من فصيل “الجبهة الشامية”، قال لـ”عربي بوست”، طالباً عدم نشر اسمه، إن “الجبهة طالبت بإيقاف التعاون مع الحكومة السورية المؤقتة حتى إقالة رئيسها عبد الرحمن مصطفى، وتشكيل حكومة جديدة مستمدة من شرعية الشعب”.
وقال إن قرار الجبهة يأتي بعد تعمد رئيس الحكومة المؤقتة “الإساءة لها” خلال اجتماع غازي عنتاب، مشيراً إلى بيان نشرته بهذا الخصوص، جاء فيه: “إن الشرعية تستمدها الحكومة من شعبها الصابر، وفصائله السائرة، حيث يجب أن نعمل على تحقيق مطالبهم والدفاع عنها، لكنها (الحكومة المؤقتة) أوغلت في اتهامهم بالعمالة والتخريب، بل والتحريض عليهم على طريقة النظام”.
طالبت الجبهة كذلك الائتلاف الوطني السوري بعقد اجتماع طارئ لحجب الثقة عن حكومة عبد الرحمن مصطفى، “بالسرعة القصوى، وإحالته إلى القضاء لينال جزاءه العادل”، على حد قولها.
وأضاف المصدر من الجبهة الشامية: “جرى إصدار هذا البيان وإعلان موقفنا، بعد محاولاته الدائمة تصوير أي حراك شعبي سلمي للنخب الثورية السورية ضد أي إجراء يضعف الثورة، على أنه مؤامرة تخريبية ضد حكومته، وانقلاباً عليها، محاولاً بذلك تحريض المسؤولين الأتراك عليهم، وعلى الفصائل التي تعارض قراراته”، وفق قوله.
حاول “عربي بوست” أخذ تصريحات من مصطفى رئيس الائتلاف السوري للرد على ذلك، دون رد منه.
في حين أكد المصدر العسكري أن الجبهة الشامية رأت في اجتماع غازي عنتاب التركية برعاية من المسؤولين الأتراك، “إيجابياً، يسوده الحرص على تحقيق مصلحة الثورة السورية، وتعزيز الأخوة والتعاون بين مكونات الثورة السورية والدولة التركية”.
تجدر الإشارة إلى أن انتشار الجبهة الشامية يتركز في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، ويدير معبر “باب السلامة” الذي يربط تركيا بسوريا.
تصعيد في شمال سوريا ومخاوف من الاقتتال
حذّر ناشطون سوريون عقب الاجتماع في غازي عنتاب، من انزلاق جميع المكونات السياسية والعسكرية في مناطق العمليات التركية “غصن الزيتون ودرع الفرات” شمال حلب، نحو تصعيد فصائلي، قد يؤدي إلى اقتتال واسع.
الناشط لؤي الحلبي، حذّر في حديثه لـ”عربي بوست”، من أن “الموقف في مناطق ريف حلب الشمالي التي تخضع للنفوذ التركي والفصائل السورية المعارضة، أشبه ببركان خامد وأقرب إلى الانفجار”.
واعتبر أن “ملف التطبيع مع النظام السوري، وقرار أنقرة بإعادة فتح معبر أبو الزندين الذي أيدته فصائل مقربة منها، وأبرزها فرقة السلطان مراد والحكومة السورية المؤقتة، يجر المنطقة إلى حالة خطيرة من الانقسام العسكري والشعبي والعشائري، وسط خشية من المواجهات العسكرية”.
أحد المعتصمين في خيمة الاعتصام قرب معبر أبو الزندين، قال إن “هناك غضباً شعبياً في المنطقة من إعادة فتح المعبر، لأننا نرى في ذلك خطوة تمهد الطريق للتطبيع مع النظام السوري الذي أجرم بحقنا، وحق أطفالنا، وقتل الكثيرين منها”.
وقال: “لن ننسى دماء قتلانا، ولا معتقلينا الذين ما يزالون يتلقون شتى أنواع التعذيب وأقساها بسجون النظان، ونرى أن فصائل المعارضة يجب أن لا تتأثر بقرار أنقرة التوجه لتطبيع علاقاتها مع النظام، فهذا شأن يخصها، ولنا شأن يخصنا دفعنا للثورة ضده”.
وشدد على أن اعتصام الخيمة سيبقى مفتوحاً حتى قرار العودة عن إعادة فتحه.
يشار إلى أنه منذ سنوات تدير “الحكومة المؤقتة” المعارضة مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي والشرقي، بالتعاون مع مجالس محلية قبلية وعسكرية هناك.
وتنتشر في الشمال السوري فصائل عسكرية معارضة عدة، تجتمع تحت مسمى “الجيش الوطني السوري” وهو أكبر الأجسام العسكرية المعارضة لنظام الأسد في شمال البلاد.
رغم أن غالبية الفصائل المسلحة تنضوي ضمن الجيش الوطني السوري، في تحالف موحد، الذي يتلقى دعما وزارة الدفاع التركية، إلا أن بينها كثير من الصدامات المتكررة، وآخرها ما حصل على خلفية الخلاف بشأن إعادة تفعيل معبر أبو الزندين.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.